كلمة السيد/ أسفاو برهي في الذكرى العاشرة لرحيل الشهيد/ سيوم عقباميكائيل

2016-01-13 10:47:25 Written by  ااعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP News Read 2192 times

روتردام/ هولندا

19 / 12 / 2015م

 

نجتمع اليوم لإحياء الذكرى العاشرة لرحيل المناضل الشهيد/ سيوم عقباميكائيل، وعشر سنوات لا شك مدة طويلة، لكن طولها لم يَـطـْــوِ أو يـُـخـْـمِــدْ حيوية أعمال وأفكار وآثار ومآثر الشهيد/ سيوم، إنه وإن رحل جسداً لم يغادرنا روحاً. وبهذه المناسبة أتوجه لأسرته الكريمة علي هذه اللفتة البارعة بتنظيم هذا الحفل إحياءاً لذكراه.

في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات وفي هذا المكان وَسَّــدْنا فقيدنا التراب، ورغم تساقط الجليد بكثافة غير مألوفة في الأراضي الهولندية، تمت مراسم دفن رسمية وشعبية وروحية للشهيد ندر مثيلها. يومها تقاطر مشيعوه وحداناً وزرافات من شتى بقاع الدنيا. غزارة الدموع التي أنهكت قوانا ونحن نستقبل الجثمان لم يخففها إلا تمسكنا بأهداب الصمود والشهامة والشجاعة التي تميز بها الشهيد. لم يكن ما لقيه شهيدنا ذلك مجرد حفاوة تشييع استثنائي فحسب، بل كان له مغزىً ذو أهمية بالغة، إن ما حظي به سيوم من حفاوة تشييع يثبت أننا نحن الارتريين، بغض النظر عن انتماءاتنا الدينية والسياسية والتنظيمية نجمع علي أهمية ومبدئية إسهامات سيوم المتميزة في النضال الوطني الديمقراطي، وأن ما وجده منا من حسن توديع وتشييع إنما يعبر عن إجلالنا لأدواره الوطنية.

Seyoum Ogbamichael 1

الشهيد سيوم عقباميكائيل

 

كان سيوم شعلة ملتهبة من النشاط، لا يعرف الشكوى من مرض أو فتور ولا يتسرب اليه اليأس والملل مهما عظم ما يلاقيه من صعاب وآلام جسدية أو معنوية، وقد سخـَّــرَ تلك الطاقة المادية والروحية لخدمة شعبه ووطنه حتى آخر رمق في حياته، فقد ناضل سيوم بصمودٍ وتفانٍ من أجل الاستقلال، وبعد التحرير والاستقلال ناضل لتحقيق السلام، العدالة، الديمقراطية، صون حقوق الانسان، المناضل البطل سيوم تميز منذ طفولة حياته النضالية بصفات إنسانية نادرة كان أبرز أمثلتها: الثبات علي المبدأ، بعد النظر، الدفاع عن القناعات، الصبر وقوة الإرادة التي لا يصيبها اليأس من استشراف الأمل المشرق، الإخلاص والوفاء. اشتهر الشهيد/ سيوم بقوة التمسك بمبادئ جبهة التحرير الارترية، وعندما انتهكت تلك المبادئ وحدثت الشروخ والانقسامات داخل الجبهة كان سيوم مقاتلاً صلباً في جبهة النضال الأمامية دفاعاً عن مبادئ الجبهة. يمكننا القول: إنه كان حارساً أميناً ووفياً لمبادئ جبهة التحرير الارترية، كان أيضاً من أشرس من عُـرِفُـوا بتصدِّيهم للدكتاتورية بلا هوادة. سيوم لم يعرف الاكتفاء بعمل واحد أو الاختصاص بأداء وإجادة مهمة بعينها، كان لديه من تعدُّد القدرات ما يؤهله للنجاح والإنجاز في أي مهمة تنظيمية تسند إليه. فإجادته وليس إلمامه فقط للغات عديدة جعله مدججاً بكامل الأسلحة والمؤهلات المطلوبة في السياسي القيادي والدبلوماسي المحنك. كما حباه الله تعالى بمواهب عديدة ونادرة فقد كان خطيباً مفوهاً، كاتباً قديراً، شاعراً بليغاً، مربياً نموذجياً، ومنظماً ومستقطباً قوى الحجة والمنطق. كذلك لم يكن سيوم سياسياً صارم القسمات حاد النظرات جاف الطباع، بل مع كل الجد والصرامة في عمله السياسي عُــرِفَ سيوم بالمرح ولطف المعشر لا يمله جليسه، ولا يفتر هو من تسلية وإضحاك جلسائه الليل كله أو النهار جُــلَّـه. خطبه ومحاضراته وتقاريره، أياً كان طولها لم تكن محل ضجر وملل من المستمع أو المشاهد أو القارئ، بل ترى الحضور يستزيدونه حتى بإثارة الأسئلة خارج الموضوع.

 

للأسف قطع موت سيوم المفاجئ مسيرة تحقيق مشروعه الوطني الديمقراطي، ذلك أن التجربة الثرة التي تراكمت لديه من سني نضاله الطويلة وما اكتسبه بجهده الذاتي العصامي من ثقافة وتعلــُّـم يؤهلانه كل التأهيل ليكون القائد الرائد والمثالي للمرحلة الحالية. وانقطاع التسلسل التاريخي والحياتي لمشروع شهيدنا بموته وبالتالي الخسارة الفادحة والجرح العميق الذي أحدثه رحيله المفاجئ وَضَعـَـنا أمام تحدٍ وطنيٍّ يوجب علينا مضاعفة جهودنا الفردية والجماعية لسد هذه الفجوة القيادية العميقة.

السيرة الذاتية للشهيد/ سيوم:

 

ولد سيوم في يناير 1946م بمحلية (شوعتي دقي – دقنة ) وتربى بأسمرا بين ظهراني والده الرقيب شرطة/ عقباميكائيل رأسو ووالدته هيوت بهتا.

 

 

تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدرستي الستاويين والبرنشيبي، ودرس الثانوية بمدرسة الأمير مكونن في الأعوام 1961 – 1965م.

 

 تعلقه بحب وقضايا وطنه جعله يبدأ العمل السياسي وهو ما يزال طالباً بالمرحلة الثانوية، لذلك كان واحداً من أبرز من يقودون سراً الحركة الطلابية الارترية. في ذات المدرسة وذات النشاط السياسي والوطني زامل سيوم الكثيرين الذين كان من أبرزهم: ولد داويت تمسغن، هيلي ولد تنسائي (درُّع)، ميكائيل قابر، ولد يسوس عمار، موسيي تسفاميكائيل، إسياس أفورقي، عبد الرحمن حسن مهري، قرزقهير تولدي وعبد الله حسن وآخرين.

 

في 1965م التحق سيوم بالميدان وأصبح مقاتلاً بجبهة التحرير الارترية، وبعد قضاء فترة وجيزة بالميدان تمَّ تكليفه مع رفيق نضاله الشهيد/ ولد داويت تمسغن بالقيام بتنظيم خلايا الداخل حيث دخلا العاصمة اسمرا سراً في أغسطس 1965م. ومن عاصروه في تلك الآونة يشهدون له بتحقيق نجاحات وإنجازات قياسية فيما كـُـلـِّــفَ به من العمل السري داخل المدن. هذا وبينما كان الشهيد يزاول برفقة زميله الشهيد/ ولد داويت تمسغن أعماله بالداخل كشفت أجهزة أمن الاحتلال الاثيوبي تحركاته وكل العمل الداخلي فألقت به وعدد كبير من زملائه في السجن، خضع سيوم وزميله ولد داويت لاستجواب مكثف وعنيف حتى يكشفا ما نظماه من خلايا سرية، لكنهما تحملا التعذيب النفسي والجسدي ولم يكشفا عن شيء مما خضعا للتحقيق حوله، الأمر الذي يَـسـَّــر علي من تبقـَّـى من زملائه خارج السجن مواصلة عملهم في الاستقطاب والتأطير.

 

التحقيقات المصحوبة بالتعذيب لم تـَــفـُـتْ في عضد سيوم بل زادته صموداً ووطنية وتمسكاً بالأهداف، لذلك واصل نضاله مع زملائه في السجن، فأقنع الكثيرين من شباب السجناء المحبوسين لأسباب شتـَّـى، أقنعهم بإمكانية الالتحاق والارتباط بالنضال الوطني التحرري أينما كانوا وكيفما استطاعوا، اتخذ سيوم السجن معقل نضالٍ جديد فعمل مع زملائه طيلة العشر سنوات - مدة سجنه – علي نشر الوعي الوطني بين حوالي خمسٍ وعشرين ألف سجين زاملوه في السجن. سيوم لم ييأس يوماً من إمكانية التحرر من أغلال السجن، لذلك كان باستمرار يمهد لذلك بوسائل مختلفة، فكان بكل حذر ينسق العلاقة بين زملاء نضاله خارج السجن والوطنيين من حراس السجن، وبالفعل أصبح حلم سيوم حقيقة واقعية، فقد قامت قوات من جبهة التحرير الارترية بتنفيذ الخطة التكتيكية التي وضعها سيوم داخل السجن مما أدى في الثاني عشر من فبراير 1975م الي تحرير حوالي الألف سجين في سجني أسمرا وعدي خالا في وقتٍ متزامن، كان بين السجناء الي جانب سيوم وولداويت ودِرُّع عدد آخر من المناضلين.

 

تخرج سيوم من مدرسة السجن وهو أكثر وعياً وَشِـدَّةَ مِـرَاس، فإلي جانب تعمـُّــق واتساع وعيه السياسي خرج من السجن وهو يحمل زاداً ثرياً من اللغات التي كان يكتبها ويتحدثها بطلاقة، فبجانب ما تلقاه في دراسته النظامية قبل السجن من اللغات الانجليزية والايطالية والأمهرية تعلم في السجن وبجهوده الذاتية العربية والفرنسية والإسبانية.

 

بعد معاناة السجن مدة عشر سنواتٍ طوالٍ عجاف، بالتأكيد كان الشهيد سيوم مثله مثل كل آدمي من لحم ودم بحاجة الي الخلود للراحة وإرواء غليله من الأشواق الي رؤية أقاربه ومعارفه، لكنه دائماً ما كان يعطي الأولوية للنضال والشعب والوطن علي أي شيء آخر (وكان هذا ديدنه حتى عشية استشهاده). لذلك بمجرد خروجه من السجن انخرط في عمله الوطني، وهكذا شارك في المؤتمر الوطني الثاني لجبهة التحرير الارترية الذي عقد في 1975م ومنه تم تكليفه بمهمة الإشراف السياسي علي اقليم أكلي قوزاي، ثم أصبح رئيساً للاتحاد العام للفلاحين الارتريين، لذا لقب بلقب (حرستاي)، أي فلاح لما كان يبديه من اهتمام بالغ بشؤون الفلاحين، وبالفعل كان سيوم خير من يدافع عن حقوق الفلاح الارتري المضطهد.

 

عمل سيوم في مختلف مواقع العمل القيادي في تنظيم جبهة التحرير الارترية – المجلس الثوري، فعندما كان مسئولاً للعلاقات الخارجية لم يقصر عمله علي تعريف الآخرين بأهداف ومبادئ التنظيم فحسب، بل لعب أعظم الأدوار في إطـْـلاع العالم علي انتهاكات النظام الدكتاتوري للحقوق الإنسانية والديمقراطية.

 

ترأس سيوم تنظيم جبهة التحرير الارترية – المجلس الثوري منذ 2002 حتى تاريخ استشهاده. وفي الشهور الأخيرة من حياته بذل جهداً مكثفاً في نشر وشرح ورقة التنظيم لاسترايجية النصر، والتي كانت تتركز في التالي:

 

 

1/ المجال التنظيمي الداخلي 2/ قضايا معسكر المعارضة 3/ العمل بالداخل 4/ المجال الدبلوماسي

* ففي المجال التنظيمي الداخلي كانت الخطة تهدف الي تحديث أوضاع التنظيم، وأن يغير هيكله التنظيمي الي حزب يتواءم والحداثة.

 

* أما عن قضايا معسكر المعارضة كانت الورقة تقترح تجاوز المختلف عليه بالعمل المشترك في كل ما هو محل اتفاق بين فرقائها، وأنه كلما اتخذت القرارات الجماعية بعد تأنٍّ ودراسة كانت أجدى وأنفع. وكثيراً ما عمل سيوم علي تقديم المبادرات وبذل الجهود في كل ما من شأنه تهدئة وحلحلة الخلافات التي كانت تشتعل بين مكونات المعارضة من حين لآخر.

 

* بحكم إيمانه بأنه دون مشاركة الشعب من الداخل سوف يكون من الصعب إسقاط النظام الدكتاتوري كان يخطط لتركيز معظم عمل التنظيم علي الداخل.

 

* في المجال الدبلوماسي، كان سيوم يعمل لتفادي انحصار العمل الدبلوماسي المعارض في زوايا وأقاليم جغرافية بعينها، بل سعى بلا هوادة الي نشره في كافة بقاع الأرض، فصال وجال في زيارات مكوكية الي امريكا الشمالية، أوربا، أستراليا، مع تركيز خاص علي دول الجوار الارتري. ولإيمانه بقيام العلاقات بين دول الجوار علي الاحترام المتبادل وأن ذلك كفيل بضمان السلم والاستقرار بينها، كان باستمرار يعمل علي بناء أفضل وأنقـَـى العلاقات مع دول الجوار. واستناداً علي هذه الحقيقة كان كثير التردد علي اثيوبيا والحوار المستمر مع رئيس وزرائها الراحل ملس زيناوي.

 

 

قـَــدِمَ الشهيد سيوم الي اثيوبيا في الأسبوع الأخير من نوفمبر 2005م علي رأس وفدٍ قياديٍّ عالي المستوى، وفارق الدنيا في السابع عشر من ديسمبر 2005م إثر علة لم تتجاوز معه الساعات وهو يزاول عمله النضالي في تلك الزيارة. ولو أنه وجد العلاج السريع والناجع لـَـرُبَّــمَـا شُــفِـيَ من علته تلك، قضى سيوم اليوم السابق لوفاته (16 / 12 / 2005م) بمكتب تنظيمه المجلس الثوري حيث تغدَّى هناك مع زملائه في المكتب، وفي حوالي الثالثة والنصف عصراً ذهب الي الفندق للراحة، وَوَعَـدَ زملاءَه أن يعود اليهم مساء ذات اليوم وفي حال تعذر ذلك أن يأتيهم صباح الغد. لكن لأنه كان يشكو من إحساس بالفتور والتوَعُّـك لم يأتهم في موعده المسائي وانتظروا موعده الآخر الصباحي بغير قلق.

             

في السابعة من صباح اليوم التالي ( 17 / 12 / 2005م ) أخبر سيوم زملاءه أنه بالفعل قد توعـَّــكَ، وأنه يشعر بالبرد وآلام (طعنات) في الصدر، لذلك قرر زملاؤه التعجيل بأخذه الي أقرب مكان للعلاج، فأخذه أحدهم وذهب به الي أقرب عيادة، لكن لأن الدوام لم يبدأ بعد لم يحصل علي الطاقم الطبي المسئول من العلاج، نصحهم الطبيب المناوب بأن يعطى المريض حقنة مهدئة للألم تمكنه من انتظار الطبيب المختص وبالفعل أحضرتْ الحقنة من صيدلية العيادة وحقن بها.

 

حضر الطبيب في حوالي الثامنة والربع، وبعد تفحصه قليلاً ظهرت في وجه الطبيب تعبيرات تدل علي هلعه وانزعاجه مما وجد عليه المريض سيوم من تأخر حالة، وبعد أن تفحص الطبيب مريضنا بمختلف الأدوات الطبية أشار بأخذه الي مستشفىً أكبر بسيارة الإسعاف

   

لكن لسوء الحظ لم يكن المستشفى المذكور يملك من الخبرات الطبية ولا من الوسائل التقنية ما يؤهله لإنقاذ سيوم وهو في تلك الحالة المتأخرة، وفي حوالي العاشرة صباحاً أُخْــبـِــرَ زملاؤه أن قلب مريضهم قد توقف عن العمل، وبذلك فإن سيوم الشعلة المتقدة من النشاط والذي لم يعرف في حياته الخلود الي الراحة قد خلد الي الراحة الأبدية.

 

بعد إعلان الوفاة كان عصياً علي رفاق نضاله التصديق، وكيف يصدِّق خبر موته من رآه اليوم السابق يتقافز ويجري. في نضاله من أجل السلم والديمقراطية والعدل لم يعرف عن سيوم أي ملل أو تعلل بمرض أو إعياء. لا أسرته ولا أصدقاؤه قد سمعوا منه يوماً شكوى من أي نوع. هذا بالطبع لا يعني أن سيوم آدمي فوق العادة أو سوبرمان لا يعرف الفتور والمرض. ما خطبه إذاً؟ إنه بصراحة لم يكن لديه الوقت الذي يصرفه في الاطمئنان علي صحته إذا ما أحس بشيء أو التشكي الي أيٍّ من زملائه أو أقاربه، لأنه كان يعد أي وقت يقضيه خارج عمله النضالي وقتاً ضائعاً. هذه حقيقة وليست مبالغة من عندنا، فهو بينما كان يعيش الساعات والدقائق الأخيرة من حياته في المستشفى الذي أتاه مرغماً محمولاً علي سيارة الإسعاف عندما أُخبـِــر أن المستشفى الذي حُــمِـــلَ اليه خاص وليس حكومياً طالب بتحويله الي مستشفىً حكومي تجنباً للتكلفة العالية وتوفيراً لأموال التنظيم من أن تذهب في شأنٍ خاص لا علاقة لها به كما يعتقد!!

 

تقبلنا حقيقة نبأ وفاة سيوم بصعوبة شديدة والألم يعتصرنا. كل متابع لصيق لمسيرة النضال انتابته المخاوف من أن لا تجد التغيرات الإيجابية في التنظيم التي كان سيوم يتعهدها بنفسه من يخلفه من زملائه في تعهدها بذات الكفاءة والحماس. بيد أن رفاقه الأوفياء أثبتوا بتفانيهم في إنفاذ وصايا شهيدهم أنهم خير خلف لخير سلف. لقد ضحوا بالأموال الضخمة التي كانوا يتقاضونها والمصالح الجمة التي كانوا يحققونها بالعمل لحسابهم الخاص، فتفرغوا كامل التفرغ لملء الفراغ الذي تركه غياب سيوم.

 

قبيل ترحيل الجثمان من اثيوبيا الي هولندا في العشرين من ديسمبر 2005م نظم أعضاء المكتب بأديس أبابا حفل تأبين وداعي مختصر الفقرات، حيث تليت السيرة الذاتية للشهيد وألقيت بعض القصائد الشعرية، لقد امتلأ المكان بالبشر ارتريين واثيوبيين رسميين وشعبيين يتقدمهم قادة وكوادر وأعضاء جميع التنظيمات السياسية الارترية، وحضر من الجانب الاثيوبي الرسمي كلٌّ من السيد/ سبحت نقا من جبهة الإهودق (الائتلاف الحاكم) والسيد/ سليمان السفير بوزارة الخارجية الإثيوبية والسيد/ هيليكيروس قـسـسي سفير اثيوبيا بالصين حينها، والسيد/ حبور قبركدان مدير منتدى صنعاء (صنعا فورَم) وآخرون.

 

 

وصل الجثمان من اثيوبيا الي هولندا في العشرين من ديسمبر 2005م وفي الثلاثين منه وُورِيَ الثرَى بضاحية فلاردينقن بمدينة روتردام.  

إن الرجل الذي خدم بلاده وشعبه لما يربو علي الأربعين عاماً كان يستحق أن يستمتع بالكثير من ثمار تعبه، وأقلُّ ذلك أن يوارَى فيها جثمانه، لكن سيوم الذي لم يبخل يوماً علي شعبه كان يعلم أن ما لم يجنـِـه هو من ثمار تعبه سوف يجنيه زملاؤه المناضلون المخلصون الذين لم ينكـِّــسوا راية الحرية والتحرير التي رفعها واستشهد تحت لوائها. وها هي بالفعل مؤشرات ذلك قد برزت في التحاق الشباب والأجيال الحديثة بالنضال مستلمين الراية من الآباء والأجداد فاتسعت دائرة رفض القمع والاضطهاد.

 

 

الشهيد/ سيوم كان في كل ما قدمه في سبيل وطنه حتى الدقائق الأخيرة من حياته يتمتع بمؤازرة أسرته التي ساندته ووقفت معه في تحقيق كل ما آمن به من مبادئ. ذلك أن هذه الأسرة لم تحتكره لنفسها بل قاسمته تضحياته من أجل شعبه. إن أبناءه الكبار بالذات عايدة وبآولوس سيوم ووالدتهما العزيزة رفيقة درب الشهيد وشريكة حياته السيدة/ أزمارا هيلي لم يجدوا سيوم يوم كانوا في أمسِّ الحاجة اليه، لماذا؟ لأن النضال والتضحية من أجل الوطن كانا الأسرة الموازية التي استأثرت بالشهيد دونهم، وبذلك شاركت أسرة سيوم عائلها نضاله وَرَهـْـقـَـهُ الذي لم ينفصل عنه إلا بالموت. إن الثمن الباهظ الذي دفعته الأسرة من حصتها في الاستمتاع بحنو الأب وحضوره بينها كان أكبر إسهام نضالي يندر أن تدفعه أسرة يعيش ربـُّـها علي قيد الحياة. لذلك وكما شكرنا والد هذه الأسرة علي ما قدمه لشعبه يوم وداعه قبل عشرة أعوام، لا نملك اليوم أيضاً إلا أن نضاعف له الشكر ولأسرته التي رباها علي التضحية ونكرات الذات فـَـضَـحـَّــتْ في إخلاصٍ ونكران ذاتٍ نادرَين. لقد حقَّ لهذه الأسرة المناضلة أن تفخر بتراث والدها الذي لم يورثها مالاً ولا عقاراً، بل ورثها المجدَ والسـُّــؤدَد.

 

 

إننا إذ نحيـِّـي الشهيد سيوم عقباميكائيل في ذكرى وفاته العاشرة نحيي معه وعبره سائر شهدائنا الذين ضحوا بأعمارهم من أجل ارتريا. هناك بالتأكيد مناضلون وثيقو الصلة النضالية بالشهيد سيوم لم يلبثوا أن لحقوا به في العالم الآخر وهم مثله لم يبخلوا بدقيقة من عمرهم علي شعبهم وبلادهم، ونخص من هؤلاء بالذكر المناضلين الشهداء/ أحمد محمد ناصر، عبد الله إدريس، الدكتور بيني كداني.

 

 

المجد والخلود لشهدائنا الأبطال

Last modified on Wednesday, 13 January 2016 12:19